تأملات في سورة ص: فضلها، شرحها، وأسرار التسخير فيها
مقدمة عن سورة ص
تُعد سورة "ص" من السور المكية التي نزلت قبل الهجرة، وهي من السور التي تحمل في طياتها معاني عظيمة تتعلق بالتوحيد، والصبر، والعدل الإلهي، والابتلاء، والانتصار على الباطل. تفتتح السورة بحرف "ص" المقطّع، ثم تبدأ ببيان موقف الكافرين من الدعوة، وتستعرض قصص عدد من الأنبياء الكرام – مثل داود وسليمان وأيوب – لتكون عبرة للمؤمنين، وتثبيتًا للنبي محمد ﷺ.
عدد آيات سورة ص
تحتوي سورة ص على 88 آية كريمة، تتوزع بين توجيه الخطاب للمشركين، وعرض نماذج من الابتلاءات الإلهية، وبيان مآل المتكبرين والمكذبين.
في أي جزء تقع سورة ص؟
تقع سورة ص في الجزء الثالث والعشرين من المصحف الشريف. وهي السورة رقم 38 في ترتيب سور القرآن الكريم.
فضل سورة ص في التسخير
لم يرد حديث نبوي صحيح صريح يذكر فضل سورة ص في التسخير بشكل مباشر، لكن هناك إشارات روحية وتعبدية عند بعض أهل العلم وأهل التصوف بأن في سورة ص وخاصة في قصة سيدنا سليمان عليه السلام أسرارًا عظيمة في التسخير، فقد سخر الله له الجن والريح والطير. لهذا يرى البعض أن قراءة السورة بنيّة طلب تسخير الأمور الصعبة، أو فتح أبواب الرزق، أو تيسير المعاملات، مع الالتزام بالشروط الشرعية، قد يكون من أسباب التفريج والبركة، خاصة إذا رافقها دعاء خالص لله.
ومن أهم الآيات التي يقال إن فيها سر التسخير، قوله تعالى:
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِۦ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ * وَٱلشَّيَـٰطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ * وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى ٱلْأَصْفَادِ﴾ – ص: 36-38
شرح سورة ص بالتفصيل
تتألف سورة ص من عدة موضوعات محورية، يمكن تلخيصها كما يلي:
1. افتتاح السورة وتحدي الكافرين
تبدأ السورة بـ"ص وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ"، إشارة إلى عظمة هذا الكتاب، وبيان حال المعاندين له. الكفار تعجبوا أن يكون الرسول بشرًا مثلهم، فأنكروا البعث، وكذبوا الرسالة.
2. استعراض قصص الأنبياء
تعرض السورة ثلاثة نماذج من الأنبياء الذين ابتلاهم الله واختبرهم، ثم رفع قدرهم:
- داود عليه السلام: نبي ملك، أُعطي الحكمة والفصل في الخصومات. وتُعرض قصة فتنة الحكم، حيث اختبره الله بقضية رمزية، فتأمل وتاب.
- سليمان عليه السلام: جاء ذكره بعد أبيه، وبيّن الله عظم ملكه وتسخير الجن والريح له، وابتلاؤه عندما شُغِل بالخيول عن ذكر ربه.
- أيوب عليه السلام: نموذج الصبر العظيم على البلاء في الجسد والأهل والمال، فدعا ربه بكلمات خالدة، واستُجيب له.
3. مآل المتكبرين والظالمين
تؤكد السورة أن مصير المتكبرين هو جهنم، وتصف مشهد الحوار الدائر بين أهل النار حين يتلاومون ويلعن بعضهم بعضًا. وهذا تحذير للمكذبين.
4. بشارة المتقين
في المقابل، توضح السورة أن للمتقين جنات النعيم، حيث يُرزقون فيها من كل شيء، ولهم حسن المآب، ورضا الله عنهم.
5. تثبيت النبي محمد ﷺ
تختتم السورة بتذكير النبي بصبر أولي العزم من الرسل، وعدم الاستعجال بالحكم على قومه، فالنصر آتٍ، والمصير بيد الله. كما تعرض قصة إبليس وامتناعه عن السجود لآدم كإشارة إلى أصل التكبر والعصيان.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
ما هو سبب تسمية سورة ص بهذا الاسم؟
سميت بهذا الاسم لأنها تبدأ بحرف "ص"، وهو من الحروف المقطعة التي وردت في أوائل بعض السور، ولها دلالات إعجازية لا يعلم كنهها إلا الله.
هل يمكن قراءة سورة ص للرزق؟
نعم، يُمكن للمسلم أن يقرأ سورة ص بنيّة الرزق والتسخير، خاصة عند تأمل قصص داود وسليمان، ولكن دون اعتقاد بوجود وصفة سحرية. الأصل في النية والدعاء والعمل الصالح.
هل وردت أحاديث نبوية عن فضل سورة ص؟
لا توجد أحاديث صحيحة مباشرة في فضل سورة ص كفضل سورة البقرة مثلًا، ولكنها تحتوي على موعظة وتثبيت، وذكر لأنبياء الله، وهو في حد ذاته فضل كبير.
ما هو مفتاح الاستفادة الروحية من سورة ص؟
التأمل في معاني السورة، والاقتداء بصبر الأنبياء، والإيمان بأن الفرج يأتي بعد الابتلاء، هو مفتاح الاستفادة الحقيقية منها. كما أن تكرار آيات التسخير بنية صافية فيه رجاء بفضل الله.
في الختام، سورة ص من السور الغنية بالمعاني العميقة والقصص التي تلامس النفس والروح. فيها تسلية للنبي، وتثبيت للمؤمنين، وتحذير للمكذبين. تأملها يفتح أبوابًا من الفهم والثقة بالله واليقين بأن النصر آتٍ لا محالة.
